انتصار هيئة المعلمات
عدد المساهمات : 714 تاريخ التسجيل : 03/02/2012
| موضوع: تأملات في سورة الفاتحة .... الأربعاء فبراير 20, 2013 2:13 pm | |
| أسباب البدء بتدبر وتأمل سورة الفاتحة أولاً:نحنُ بين يدي سورة هي أعظمُ وأفضل سورة في كتاب الله ، القرآن كله تفسيرٌ لها..وشرحٌ مُجملٌ لها.. هي أم القرآن .. وأمُ الشيء في اللغة : أي أصله.. وقيل أيضاً: أعلاه.. فهي أفضل القرآن وأعلاه..وقد حَوَتْ جميع مقاصده .. يقول ابن القيم رحمه الله: " أعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتمَّ اشتمال ، وتضمنتها أكمل تضمن.. فاشتملتْ على التعريف بالمعبود تباركَ وتعالى بثلاثة أسماءٍ ..هي مرجِعُ الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها ومدَارُها عليها..الله والرب والرحمن .... إلى أن قال: وتضمنتْ إثبات المعاد وجزاء العباد بأعمالهم حسنها وسيئها..". { الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين } تعريفٌ بالخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله.. { إياك نعبدُ وإياك نستعين } تعريفُ الطريق إلى الخالق .. وهذا لا يكون إلاَّ بعبادتهِ وعبادته لا تكون إلاَّ بشرعهِ..{ إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمتَ عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } تعريفٌ بمن سلَكَ الطريقَ ، ومن جانَبه ، ثم معرفة مآلهم : إمَّا إلى جنةٍ أو إلى نار..وبهذا جمعت الفاتحة مقاصد القرآن الثلاث الكبرى... هي منحةٌ ربانيةٌ خاصة لنبينا محمد ولأمته.. لم تنزل على نبيٍ من الأنبياء قبله.. قال صلى الله عليه وسلم :[ والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ، ولا في الإنجيل ، ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها.. وإنها سبعٌ من المثاني والقرآن العظيم الذي أُعطيته ]... و وُصِفت بالسبع المثاني لأنها تُكرر قراءتها في كل ركعة.. هي النور الذي أُعطيه محمد ..
عن ابن عباس قال: " بينما جبرائيل عليه السلام قاعدٌ عند النبي سمعَ نقيضاً من فوقه فقال: (( هذا بابٌ من السماء فُتحَ اليوم ، لم يفتح قط إلا اليوم )) ، فنزلَ منه ملكٌ فقال: ((هذا مـلكٌ نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم ))، فسلَّم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يُؤتهما نبيٌ قبلك ، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة ، لن تقرأ بحرفٍ منهما إلا أُعطيته ". هي الشافية التي تشفي القلوب والأبدان..
كما حصَلَ في قصة اللديغ التي ذكرها أبي سعيد الخدري فقال: " إن نفراً من الصحابةِ أضافوا حيّاً من أحياء العرب فلم يُضيفوهم، فلُدِغَ كبيرهم - لدغته حيةٌ أو عقرب - ولم يجدوا له علاجاً، فجاءوا إلى هؤلاء النفير من الصحابةِ فطلبوا منهم الرقية..فقالوا: إنكم لم تضيَّفونا ، وإنَّا لا نرقي إلاَّ بِجُعْلٍ: يعني بأجرْ..فحدُّوا لهم قطيعاً من الغنم فقام أحد الصحابة فقرأ عليه سورة الفاتحة، فقام الرجل وكأنما نَشِطَ من عِقال، فأخذوا الغنم ، ولكن لم يتصرَّفوا فيها حتى يستأذنوا رسول الله فَقدِموا على الرسول وذكروا له القصة فقال: " وما أدراك أنها رقية ؟" ثم إنه قال لهم: اقتسموا هذه الغنم واضربوا لي معكم بسهم، أو قال : إن أحقَّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ". والمتأمل في الفاتحة يجد أنها سورةٌ أولها لله وآخرها للعبد، ووسطها مشتركٌ بين العبد وربه ..
كما جاء في الحديث القدسي :" قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: {الحمد لله رب العالمين} قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: { الرحمن الرحيم } ، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي ، وإذا قال:{ مالك يوم الدين } قال: مجَّدني عبدي , وقال مرَّة: فوّضَ إليّ عبدي ،فإذا قال:{ إياك نعبد وإياك نستعين } قال: هذه بين وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فـإذا قـال: { اهدنا الصراط المستقيم صراطَ الذينَ أنعمتَ عليهمْ غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ". ويجدُ أيضاً أن أول هذه السورة رحمة ووسطها هداية وآخرها نعمة .. وهذا الترتيب الثلاثي بين الرحمة والهداية والنعمة هو ترتيب مبنيٌ بعضه على بعض ؛ فمن رحمهُ الله هداه, ومن هداهُ فقد أنعمَ عليه.. فالنعمة الحقيقية تكون بالرحمة والهداية.. ومن مُجملِ ما تقدَّم ذكره من المزايا والفضائل نفهم لماذا كانت الفاتحة هي أفضل سورة في القرآن...وعلى ذلك قال أهل العلم: " إن تلاوة ًوتدبر ما كان مفضّلاً يترتب عليه من الأجر والثواب ما لا يترتب على غيره ". فنحنُ نطمعُ في تدبرها وتأملها ومدارستها أن نحصّلُ على عظيم أجر الله ، وثوابه وعطائه .. فعطاء الله ليس كعطاء أحدٍ من خلقهِ ، فالعظيمُ إذا أعطى تفضَّل.. بل لا يستطيع أحدٌ من الخلقِ أن يَقْدُرَ قدرَ ذلك العطاء.. ولك في سورة الكوثر يا متدبر القرآن أعظم وأصدقُ وأروعُ مثال.. فتأمل...!
ثانياً: قال ابن القيم رحمه الله: " علم القرآن جُمعَ في المفصَّل ، وعِلمُ المُفصَّلِ جُمعَ في الفاتحة , وعلمُ الفاتحة جمع في {إياك نعبدُ وإياك نستعين}". فإذا كان مرجع الدين كله إلى هاتين الآيتين :{إياك نعبدُ وإياك نستعين} ومدار العبودية والتوحيد قائمٌ عليها فحريٌ بنا أن نقف معها تأملاً وتدبراً وفهماً ، واستنباطاً وجمعاً لأقوال أهل العلم فيها..فبقدر عمق القرآن وعظمته ؛ بقدرِ ما يجب أن نبذل من جهدٍ في فهمه وتدبره..
ثالثاً: تدبرنا لسورة الفاتحة يُوصلنا لتحقيق مرتبة الإحسان في صلاتنا.. وهي أعلى مراتب الدين ، عرّفه رسول الله بقوله: [ أن تعبُدَ الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فهو يراك ].. قال الحافظ ابن حجر في الفتح : " والمقصود بالإحسان : إتقان العبادة ، وإحسان العبادة الإخلاص فيها ، والخشوع وفراغ البال حال التلبس بها ومراقبة المعبود". والمعنى أن تتعبد الله وكأنك واقفٌ بين يديه جل جلاله، مُستحضر قُربه مِنك واطِّلاعه عليك .. تستشعرْ أن الله يراك وأن الله يسمعك..
وهذا الإحسان يستلزم حضور قلبك .. قلبٌ يعي ويفهم ما يقرأهُ وما يردده .. ليست الفاتحة عنده مجرد كلماتٍ وألفاظ حفظها منذ الصِغر ، وتدرَّب على قراءتها في كل صلاة.. بل الفاتحة معاني وفتوحات وأسرارٌ ومفاتيح يسعى لكي ينال بركتها ويُفتح على قلبه بها ، وهذا لن يكون إلاَّ إذا فعَّل حضور قلبه ولم يُعطِّله.. من أجل ذلك فقضية الصلاة بالذات تحتاج منَّا ليس إلى صبر فقط ؛ بل إلى اصطبار وفرقٌ بين الصبر والاصطبار.. فالزيادة في المبنى زيادة في المعنى كما يقول أهل اللغة.. الله عزوجل يقول: { وأْمُرْ أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك ..}
الصبرُ قد يكون له حدٌ معين .. وقتٌ معين .. قوة معينة .. بينما الاصطبار كأن الآية تخاطبك لتقول لك: "اصبر صبراً فوق صبرك " أي تكلَّفهُ وزد فيه ..! وقد نتساءل .. هذا الاصطبار نحتاجه في صلاتنا على ماذا تحديداً ؟أولاً: من جهة أن العبادات المنقطعة أسهل على النفس من العبادات المتكررة ، إذ أن الثبات على الشيء ولمدة طويلة هذا من أصعب الأشياء ، وأشقِّها على النفوس .. فأنت طيلة عمرك مطلوب منك أن تقوم لصلاة الفجر، وأن تقوم لصلاة العصر ، وأن تقوم لسائر الصلوات .. هذا الثبات وهذه والمداومة تحتاج إلى اصطبار وليس إلى صبرٍ فقط.. ثانيا: ومن جهة أخرى يأتي الاصطبار حين نُرابط على حضور قلوبنا في صلاتنا ،والأصل الذي تستصحبه دائماً معك؛ أنه على قدر عنايتك بقلبك تؤجر..وحضور القلبِ المطلوب ليس في كل صلاة فحسب ؛ ولا في كل ركعة .. بل في كل قراءة ويصبح هذا همَّاً تحمله وشُعلاً تنشغل به .. أن تكون مُحسناً لا مؤدياً فقط.. يا معاذ لا تدع دُبر كل صلاةٍ أن تقول :[ اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحُسنِ عبادتك ] ورسولنا لم يقل: كثرة عبادتك ، أو طول عبادتك ، وإنما قال حُسن عبادتك ، هذا الإحسان الذي يترتب عليه الأجر.. فمتى كان الإحسان كاملاً كان الأجرُ تاماً.. ومتى نقص الإحسان نقص الأجر تبعاً له.. فالمُصلون كُثر .. ولكن المحسنين في صلاتهم قلة.. وأول طريق هذا الإحسان : أن تجمع قلبك حال قراءة الفاتحة ، فكل صلاة لم يُقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خُداج غيرُ تمام.. خرَّج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة عند النبي قـال: [ من صلَّى صلاةً لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خُداجٌ – ثلاثاً – غيرُ تمام ].. نراكم في لقاء آخر نبدأ بتدبر الآيات
الموضوع منقول للأستاذة نجلاء السبيل | |
|
انتصار هيئة المعلمات
عدد المساهمات : 714 تاريخ التسجيل : 03/02/2012
| موضوع: رد: تأملات في سورة الفاتحة .... الأربعاء فبراير 20, 2013 2:14 pm | |
| { الحمد لله رب العالمين }
تُسمى آية الحمد ، وتُسمى عبادةُ الخلقْ لأن الله يتعبد خلْقهُ بالحمد .. فالطيرُ في جو السماء تُسبحُ بحمده.. والإنسان في الأرض يسبح بحمده... و الأجنةُ في الأرحام تُسبحُ بحمده..قال تعالى: { وإن من شيء إلا يُسبحُ بحمده }..
( ال ) الموجودة في الحمد لله تُسم ى (أل ) الاستغراق ، بمعنى الحمدُ كلهُ ثابتٌ لله ، فالله جل جلاله يحمدُ بجميع أنواع المحامد ، ولا أحد يستحق الحمد إلا هو وحده ، فهو المحمود من كل الوجوه في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، وهو المحمود على كل حال.. ومعنى الحمدُ الثناءُ على الجميل من نعمةٍ أو غيرها مع المحبةِِ والإجلال، والحمدُ أن تذكر محاسنَ الغير سواء كان ذلك الثناء على صفةٍ من صفاتهِ الذاتية كالعلم ، والصبرُ ، والرحمة ، والشجاعة .. أم على عطائهِ وتفضلهِ على الآخرين..
وقيل أن الحمد هو الشكر .. وقيل : المدح والثناء .. وقيلَ أنه الشكر والمدح و الثناء.. والصحيحُ أن الحمد أعمَّ من ذلك كله ، فالحمدُ مصدر ، والمصدرُ لا يرتبط بزمان ولا بمكان ، فهو يستغرقُ الزمان كله ، والمكان كله ، ويفيد العموم.. قال تعالى :{ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمدُ في السماوات والأرض وعشياً وحين تُظهرون }... { الحمد لله } : مطلقةٌ غير مقيّدة بزمن معين ولا بفاعلٍ معين ، فالحمدُ لله فيها مستمرٌ غير منقطع.. والفرقُ بين الحمدِ والشكر * أن الحمد لا يكون إلاَّ باللسان لذلك ... * الشكر يقع من اللسان والقلب ومن الجوارح قال الله عزوجل:{ وقلِ الحمدُ لله } ، * بينما الشكر لا تثني إلاَّ مقابل معـروف أو {وقالوا الحمد لله }،{وقيل الحمد لله رب العالمين } جميل ، أي لا يكون إلاَّ على النعمة. * الحمد يكون على كل حال ، فيكون على ... * أما الشكرُ فهو مختصٌ بالإنعام الواصل إليك. السراء ويكون على الضراء. ويقع ابتداءً للثناء – الثناء على المحمود وما فيه
من صفات محبةً وتعظيماً. * والحمدُ يعمُّ إذا ما وصلَ الإنعامُ إليك، أو إلى غيرك .. لذلك يقول أهل العِلم: إن بين الحمد وبين الشكر عموم وخصوص .. من حيثِ المصدر فالحمدُ أخصُ من الشكر ؛ لأنه لا يكون إلا باللسان ، وأما من حيث ما يقع عليه : فالشكر أخص لأنه لا يكون إلاَّ على النعمة.
في تدبرنا للحمد حريٌ بنا أن نعرف على ماذا يُحمد ربنا ؟ الله عزوجل يقول: { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريكٌ في المُلك ولم يكن له وليٌ من الذل وكبِّرهُ تكبيراً }.
فأولُ ما يحمد عليه الحق تبارك وتعالى يُحمد على توحيده وأنه إله واحدٌ جلّ جلاله لا نِدّ له ولا نظير ولا شبيه ولا صاحبة ولا ولد ، يخلقُ ويرزق , ويُعطي ويمنع , يخفضُ ويرفع .... المُلك ملكَه والخلقْ خلقه.. والأمر أمرهُ والتدبيرُ تدبيره وكلُنا عبيدٌ له ... يفعلُ ما يشاء , يحكمُ بما يريد , لا ينازعه أحد في سلطانه ... غني سبحانه عن كل خلقة لا يحتاج إلي أحد منهم وكل خلقهِ مُحتاجون له . هذا الاستحضار لمعنى التوحيد يجعلنا .... حين ننطق ((بالحمد)) فنحن نعلنُ فيه أننا نحمدك يارب من تمام إحساسنا بمنّتك علينا أننا عبادٌ لك ولسنا عبادً للبشر ....
نحمدك بأنك ما ملكت قلوبنا ولا رقابنا لأحد .
نحمدك بأنك ما جعلت بيننا وبين رزقنا أحد .
نحمدك بأنك ما جعلتنا نتذلل ونخضع في طلب رضا كل أحد . فالعبد إن فهم المقصود من إيجاده عرف أن الغاية من خلقه أن يكون عبداً لله من أعلى رأسه إلي أخمص قدميه.. وأنه ٌوجِدَ من أجل أن يُرضي عنه رباً واحداً فقط... فلواحدٍ كُنْ واحداً في واحدٍ أعني سبيل الحق والإيمان لسان حاله يقول: " اللهم أني أسالك رضاك فإنه لا يضر مع رضاك سخط أحد "
يقول تعالى { ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاًً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون}.
ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لشركاء متنازعين فهو حيران في إرضائهم , وعبداً خالصاً لملك واحد يعرف مراده ويعرف ما يرضيه هل يستويان مثلا ؟؟ .. لا يستويان . هذا التعدد في طلب الرضا يشتت القلب ويزاحمه ولن يبقى هذا القلب قلباً محفوظاً خالصاً لرب واحدٍ ، وإلهٍ واحد.... و ليس التعدد في طلب الرضا فقط هو الذي يشتت القلب ويزاحمه بل أنه إذا تعددت المحابّ أيضاً زاحمت محبة الله في القلب .. وإن تعدد المخاوف زاحمت خوف الله في القلب . وبالمثال يتضح المقال..
أولاً:قال تعالى: { قل إن كان أباؤكم وأبناؤكم وإخوانُكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحب إليكم من الله ورسولهِ وجهادٍ في سبيلهِ فتربصوا حتى يأتيَ الله بأمره } . ذكرت هذه الآية ثمان مواطن يتعلق بها قلب الإنسان هي في الأصل محبةٌ طبيعيه جائزة , جُبِل عليها ولا يؤاخذ عليها لكن يؤاخذ بالغلو فيها... فبمقدار غلو الإنسان في محبوبات الدنيا بقدر ما ينقص من حب الله في قلبه .. ما معنى الغلو فيها ؟ إي الحب الجمّ لها , الحب الذي يؤثر على القلبِ بمعنى أنهُ تعلَّق بها وأفرط في حبها , فأصبح غالب زمنه لهذا المحبوب , وجهده مصروف لمرضاته .. " فمن تعلق بشيٍ سواء كان زوجاً أو ولداً أو تجاره أو مالاً ونحوه وكُل له " .. والعبد إذا وُكل إلي غير الله أحاطت به الخسارة من كل جوانبه ..قال ابن القيم رحمه الله: " من أحب شيئاً غير الله عُذٍب به ...." . لذلك فكل ما ارتفع الإنسان بمتعلقات الدنيا كلما اكتوى بنارها .. وأتاهُ الخذلان من جهتها..
والناس في تسليم قلوبهم يشرقون ويغربون فمنهم من يسلّمه حباً , ومنهم من يسلّمه خوفاً , ومنهم من يسلّمه ذلاً . وكل هذه عبوديات قلبيه.. الحب والخوف والذل لا تُصرف إلا لله فإذا صُرفت لغير الله نقص التوحيد ونقصت العبودية وتشتت القلب .. والموحد لا يشتت قلبه بل يبذل جهوده ليبقي قلبه محفوظاً لرب واحد حباً ورجاءً وخوفاً وتعظيماً وتوكلاً وتفويضاً وبقدر ما يحقق من التوحيد بقدر ما يجني من ثماره . فالحمد الله الذي منَّ علينا بنعمه التوحيد . ثانياً: يحمد الله أيضاً على كماله المطلق في ربوبيته وأسمائه وصفاته وأفعاله فا أسمائه كلها حسنى وصفاته كلها كمال وأفعاله كلها مقدسة منزهةٌ عن كلِ ظلمٍ أو نقصٍ أو عيب .... فأنت إن تعلمت عن الله كماله المطلق علمت انه المستحق وحده جل جلاله لكل حمدٍ ومحبهٍ وثناء وأنه سبحانه الحميد من كل الوجوه " أسماءه حمد , صفاته حمد , أفعاله حمد , قضاءه حمد , وعدله حمد , فضله حمد ".. فسبحانه وبحمده لا نحصي ثناءً عليه . وإن امتلأتَ بهذه المعرفة بقيت حامداً لله في حال السراء و الضراء وعلى كل حال .. فإن جاءتك النعمة حمدتَّ ربك أنه عاملك بفضله , وأن جاءتك العقوبة حمدت ربك أن عاملك بعدله .. ولو عاش العبد حامداً لربه في سرائه و ضرائه لرأى من صفات ربه وكمالها عجبا.
أنظر لأهل الجنة يحمدون ربهم لأنهم يعلمون أنه بفضله ورحمته أدخلهم الجنة ، وأهل النار يحمدون الله على كمال عدْله ، لأنهم يعلمون أنه لم يعذب أحداً منهم فوق ما يستحق..
ثالثاً:ويحمد الله على أفعاله وحسن معاملته لعباده وتربيته لهم..فمالكُ الشخص وسيده ومربيه والقيّم المنعمُ عليه أحقُّ بالحمد وأولى به من غيره.. فمن رحمة الله بعباده أن يُربيهم ولا تعدل تربية الله تربية أحداً من البشر ، فهو ينقلهم بهذه التربية من النقص إلى الكمال فيصلح قلوبهم وأحوالهم ويسوقهم إلى ما فيه صلاح آخرتهم ، ورِفعة درجاتهم ومنازلهم .. " أما كيف يربيهم فهذا سنفصله في وقفتنا مع اسم الله الرب ".. رابعاً: ويحمد الله على نعمه الظاهرة و الباطنة التي لا حصر لها ولا عدّ لها تكادُ تكون بعدد أنفاسنا بل هي أكثر فما بنا من نعمة صغيرة كانت أو كبيرة ، قديمة أو حديثة ، دينية أو دنيوية فمن الله وحده..
فالخير خيرهُ والفضلُ فضله والإحسان إحسانه... والعقلُ يظل عاجزاً عن أن يدرك رحمته أو يحصي نعمهُ أو يُحيط بفضله... إن تدبرنا لهذه النقاط الأربع يُفهّمنا أن "الحمد لله" ليست كلمة تُردد على اللسان وإنما هي في مجموعها كلمةٌ تحمل العبودية والحب والثناء والشكر والعرفان ، ومن استحضرَ معانيها خرج الحمد من قلبه قبل لسانه.. فأصبحَ صاحب قلب شاكر، ولسانٍ شاكر ، وجوارحٍ شاكرة ، وهذا بحد ذاتهِ نوعُ اصطفاء .. إذْ أن الشاكرين قلّة.. والحمد لله أن علمنا كيف نحمده ليظل العبد دائماً حامداً والرب جل جلاله دائماً محموداً.
| |
|